تُعد مسرحية “خط أسود” لفرقة مسرح البيضاء نافذة على أعماق النفس البشرية، حيث تروي قصة ثلاث شخصيات تحمل حقائب نحو مصير مجهول في رحلة استكشافية نفسية، مليئة بالتوترات الداخلية والبحث عن الخلاص. المسرحية تتبع أسلوباً سيكولوجياً يغوص في أعماق الذوات الإنسانية، ويبرز الهواجس اليومية والانشغالات النفسية التي تؤثر في مسار حياتنا.
تعتمد المسرحية على بناء نفسي محكم للشخصيات الثلاث، وتسلط الضوء على معاناة شاب عانى من اضطرابات نفسية نشأت عن أحداث صعبة عاشها في طفولته وأثرت في سنوات شبابه. هذه الشخصية تُعبّر عن جيل من الشباب الذين يعانون من آثار صدمات ماضية لم يتمكنوا من تجاوزها، والتي تعيق تطورهم النفسي وتربطهم بعقد قديمة من الماضي.
أما الشخصية الثانية، فهي لشابة أُجبرت على الزواج في سن مبكرة، مما شكّل ضغطاً نفسياً كبيراً أثر على حياتها، خاصةً في ظل مجتمع يفرض قيوداً معينة على حرية المرأة وخياراتها. هذه الشخصية تتحدث إلى معاناة العديد من الفتيات اللواتي يُجبرن على الالتزام بخيارات لا تعبّر عن إرادتهن، مما يؤدي إلى حياة مليئة بالتناقضات والصراعات الداخلية.
أما الشخصية الثالثة، فهي تعمل كمحور توجيهي وداعم نفسي للشخصيتين السابقتين. في دور يشبه “المرشد الروحي”، تسعى هذه الشخصية إلى مساعدة الآخرين على مواجهة مخاوفهم والتخلص من العقد النفسية التي تربطهم بالماضي. تتيح هذه الشخصية فرصة للشخصيتين الأخريين لتجاوز ما يثقل كاهلهما من أحمال نفسية، في مسعى لإنارة درب الخلاص والشفاء.
يتميز النص بتماسكه وبالتسلسل الدرامي الذي ينقلنا بين حالات الشخصيات بانسيابية. الحوار يبدو كاشفاً ومعبراً عن دواخل الشخصيات، كما يحافظ على التوتر الدرامي من خلال ترك مساحات فارغة، تحمل الأبعاد النفسية وتتيح للمشاهد الفرصة للتفاعل مع الأحداث واستنباط العمق من الحوارات والمشاهد.
تُعد “خط أسود” عرضاً مسرحياً مؤثراً يعكس أزمات نفسية وإنسانية عميقة، وتدعو المشاهد إلى الغوص في رحلة نفسية مليئة بالأمل في إمكانية الخلاص. هي ليست مجرد مسرحية، بل مرآة تعكس التحديات النفسية التي نواجهها جميعاً، ورسالة بأن التعافي ممكن، حتى من أعمق الأزمات.
محمد علي السراج